
حين كنا اطفالاً كان كل شيء يشبه الحلم. كنا نعيش في عالم من الأحلام. بالنسبة لنا كل ما نحلم به كان لابد أن يتحقق. كنا ننتظر ونتوقع كي يأتي لنا احد ما ويحقق لنا احلامنا. كنا نؤمن بالمعجزات والأيادي الغيبية. كنا نتوقع من الذين كانوا حولنا أن يلبوا لنا طلباتنا ويحققوا لنا احلامنا. كنا نعزف وكان على الدنيا أن ترقص على عزفنا.
كبرنا ودخلنا العالم الحقيقي. عالم لم يشبه الصورة التي كنا نتخيلها في الطفولة. انصدمنا بواقع الدنيا. الدنيا لم تعد ترقص على عزفنا أو عزف أي شخص آخر. الدنيا تمضي في كل لحظة وفي كل ثانية ولا تتوقف عن الحركة. الدنيا لم تتوقف عن الحركة ولو للحظة واحدة. الدنيا لا تكترث لمشاعرنا ولرغباتنا. الدنيا لا يهمها من عاش ومن مات. الدنيا لا يهمها إن كنا حزينين أو فرحين. الدنيا لا يهمها إن كنا اغنياء أو فقراء. الدنيا لا يهمها إن ظَلَمَنا أحد أو داس على كرامتنا احد ما. الدنيا لا يهمها دموع اليتاما أو حسرة البؤساء. الدنيا صم وبكم وعمي وخالية من أي مشاعر. الدنيا ليست بشر. نحن كبشر نحب ونكره ونحزن ونفرح ونغضب ونخاف. نحن كبشر نشعر بالظلم والحرمان. نحن نملك مشاعر وضمير. ولكن الدنيا لا. الدنيا جهاز عظيم يعمل على اساس قواعد وأسس ثابتة. جهاز خالي من أي إحساس ومشاعر وضمير.
إن كنت بالغاً من الافضل أن ترى الدنيا بشكلها الواقعي. إن كانت الطفولة تعيش بقوة في داخلك، من الأفضل أن تتخلى أو تتخلص منها في اقرب وقت. لقد مر وقت طويلاً وأنت لم تعد طفلاً. قد انتهى دورك كطفل منذ وقت طويل وأنت لم تشعر بذلك. إن لم تتخلى أو تتخلص من دورك كطفل، ستسبب لنفسك جروحاً كثيرة وستؤذي نفسك كثيراً. الحياة لا ترحمك وستدمرك.
كن بالغاً وانظر للدنيا كما هي ولا تعيش في اوهام الطفولة. تقبل واقع الحياة وتقبل مسؤولياتك في الحياة وتحمل مسؤولية النتائج الصادرة عن افعالك وتصرفاتك. الطريقة العقلانية الوحيدة التي يمكن أن تواجه بها الحياة هي: اولاً أن تتقبلها كما هي ولا تحاول أن تصنع منها صورة خيالية في ذهنك. ثانياً أن تتحمل مسؤولياتك في الحياة ولا تحاول أن تتهرب منهن. العالم مكان اسود ومحبط للبالغين الذين يلعبون دور الأطفال.