مسعود سواري
عـربـي فـارسـی English

كيف نعيش حياة طيبة وسعيدة

اليوم تقریباً لا يوجد أحد لم يسمع عن كتب تطوير الذات والتحفيز والنجاح (Motivational, Self-Improvement and success books). معظم قراء الكتب على الأقل قرأوا كتابا واحدا من هذه الكتب والتي لها النصيب الأكبر في صناعة النشر وبيع الكتب. كتب لجميع الأعمار وبتنوع كبير من المواضيع: القيادة، الإدارة، التدريب، الأبوة، الأمومة، إدارة الغضب والمشاعر، إدارة الوقت، إدارة الأموال، النظم، العيش بشكل هادف، التحكم بالخجل، تعزيز الحافز، حب النفس، التواصل مع الآخرين، التعبير، إلخ. يمكن إعداد قائمة طويلة من المواضيع التي تطرقت إليها هذه الكتب. الأمر يطرح عدة تساؤولات: لماذا يهتم الكثير من الناس بهذه الكتب؟ هل هناك حاجة ملحة تدفعهم لقراءة هذه الكتب؟ إن كانت الإجابة نعم فما هي هذه الحاجة؟

من وجهة نظر علم النفس وعلم الإجتماع هناك العديد من الإجابات المحتملة لهذه الأسئلة لكنني أعتقد أن السبب أو الأسباب الرئيسية لهذا الإقبال الواسع على هذه الكتب هو "تعقيد الحياة" (life complexity). اتخذت الحياة البشرية شكلاً معقدًا قبل قرون منذ بدأ الثورة الصناعية التي ادت لإرتفاع النمو السكاني وهجرة الكثير من المزارعين إلى المدن وتشكيل مدن ذات كثافة سكانية كبيرة. لكن في العقود الأخيرة ازداد هذا التعقيد مع ظهور تقنيات مختلفة مثل الإنترنت والقنوات التلفزيونية الفضائية والهواتف المحمولة والشبكات الاجتماعية الافتراضية.

تعقيد الحياة في المدن أدى إلى تغيير العديد من التقاليد الفكرية وأنماط الحياة التي كان يتبناها الإنسان ويعتمد عليها منذ قرون. طغى هذا التغيير على جميع جوانب حياة الناس المادية والمعنوية. من كيفية ارتداء الملابس وتصفيف الشعر حتى التسوق والطبخ، من الحياة الزوجية وتربية الأطفال حتى إدارة الأعمال التجارية والتواصل مع الآخرين. البشر اصبح يهتم بتفاصيل الأمور و يدقق فيهن اكثر من أي وقت مضى.

على سبيل المثال اختيار شريك الحياة في الأزمنة السابقة لم يكن امراً معقداً كما نعرفه اليوم. كان يتم اختيار الزوج أو الزوجة وفقًا للتقاليد والأعراف الشائعة والمقبولة لدى الجميع والأمر عادتاً ما كان بسيطاً. في الكثير من المجتمعات لم يكن للمرأة حق للرأي والإختيار اهلها هم من كانوا يقررون بدلاً عنها. اليوم امر الزواج لم يعد هكذا و اصبح معقد للغاية لدرجة أنه يصعب أحيانًا على الشخصين أن يختاروا بعضهما البعض كشريك للحياة. المعايير والأسس التي يتوقعها كل طرف من الآخر وكذلك الظروف والإمكانيات التي من المفترض أن تتهيأ وتتوفر أصبحت أكثر تعقيدًا مما كانت عليه في الماضي. يمكن تعميم هذا الوضع على كل الأمور التي يمارسها البشر.

عندما الصورة الذهنية للناس ورؤيتهم الكونية تتغير فمن الطبيعي أن تتغير التزاماتهم ومسؤولياتهم وواجباتهم نتيجتاً لذلك. اليوم رؤية المرأة تجاه "الأم الجيدة والمثالية" تتطلب أن تكون على دراية بالمسؤوليات والواجبات التي تنشأ عن هذا الموقف. لا يمكن أن يكون لدينا تصور ذهني ورؤية كونية حديثة وبنفس الوقت نعيش وفقًا لتقاليد وأنماط الماضي. نتيجة لذلك ليس لدينا خيار سوى التكيف مع تعقيدات الحياة الحديثة. علينا أن نتعلم كيف نتغلب على المشاكل التي انتجتها الحياة المعقدة الحديثة. ولكن كيف؟

مؤلفو كتب تطوير الذات والتحفيز والنجاح يقولون نحن نملك الإجابة. سنخبرك كيف تحل مشاكلك المختلفة. سنخبرك كيف يمكنك أن تكون والد أو صديق أو زميل أو رئيس أو مدير أو مدرب أو مفاوض أو مندوب مبيعات جيد وناجح. كل ما عليك فعله هو شراء كتبنا وقرائتهن واستخدام تعاليمهن. ثم سترى كيف سيكون كل شيء على ما يرام وستدور عجلة الحياة وفقًا لنواياك.

مؤلفو هذه الكتب يدركون جيدًا تعقيدات الحياة الحديثة. إنهم يعرفون أن الروح البشرية منهكة وعاجزة عن استيعاب و فهم المشاكل الناتجة عن الحياة المعقدة. يعرفون أن البشر بحاجة إلى حلول لمشاكله. نتيجة لذلك بدأوا في كتابة هذه الكتب. كتب تعد بحياة جيدة وعظيمة وسعيدة وناجحة. وماذا يمكن أن يكون أفضل من هذا؟ ماذا يمكن أن يكون أفضل من حياة طيبة وسعيدة؟ ما هو أهم من السعادة؟ الا نبحث عن السعادة؟

لكن السؤال المهم الذي يدور في أذهاننا هو: على الرغم من كل كتب تطوير الذات والتحفيز والنجاح التي تم نشرها والإقبال الواسع الذي حصل لماذا ما زلنا غير قادرين على علاج مشاكلنا و التيام جروحنا؟ لماذا لا زلنا لا نشعر بالسعادة؟ لماذا لا نستطيع تحقيق ما تعد به هذه الكتب: النجاح والسعادة ، النجاح. للإجابة على هذا السؤال يجب أولاً مناقشة كلمة "السعادة". ماذا تعني السعادة؟

ما هي السعادة من وجهة نظرنا؟

لا أنوي هنا تعريف "السعادة" (happiness) فلسفياً. لأن الخوض في هذا الأمر خارج عن نطاق هذا النص ولا انا مؤهل له. أحاول أن أعبر عن تصورنا الحالي لهذه الكلمة والمفهوم المرتبط بها. غالبًا ما يشار إلى السعادة على أنها "تحقيق الرغبات والأهداف والشعور بالرضاء". وفقًا لهذا التعريف يمكن اعتبار السعادة حالة مؤقتة وعابرة. أي أن السعادة هي شيء تجريبي وملموس وبتغيير البيئة والظروف إما أن نجربها ونحس بها وإما لا. إذا تحققت الأحلام أو الأهداف فنحن سعداء. إذا حصلنا على ما نريد سنكون سعداء. إذا كنا راضين عن شيء ما فنحن سعداء. بشكل عام إذا تمكنا من تكييف العوامل والظروف الخارجية مع نظام الأفكار والميول الداخلية (إما عن طريق تغيير أنفسنا أو عن طريق تغيير بيئتنا) فسنكون سعداء. ولكن هل هذا الوصف للسعادة صحيح؟ هل يمكن أن نعتبر السعادة هي تحقيق الأحلام والأهداف؟ هل يمكن للنجاح حقا أن يجعلنا سعداء؟ على الأقل من وجهة نظر النفعيين نعم.

النفعية

إن فهمنا الحالي للسعادة متجذر في نظرية فكرية اخلاقية يطلق عليها "النفعية" (utilitarianism). من منظار الرؤية النفعية السعادة تعني الشعور بالرضا. الشعور الذي نشعر به بعد قيامنا بعمل ما وتحقيق النتيجة المتوقعة والمطلوبة. من وجهة نظر النفعية فإن الحياة الجيدة والمثيرة للإعجاب هي الحياة الخالية من الهموم والمشاكل وتجري فيها الأمور حيث نتوقع ونحصل على نتائج ترضينا وتحسسنا بالسعادة. كلما حصلنا على النتائج المرجوة والمرضية زاد شعورنا بالسعادة. النفعية هي تفكير "عواقبي" (consequentialist). التفكير الذي يهتم بعواقب ونتائج الأمور والأفعال ويستخدمها كمؤشر لقياس مستوى السعادة لدى الفرد. كلما كثر الربح والنفع و قل الضرر والخسران يرتفع الإحساس بالسعادة لدى الفرد.

النظرية النفعية تستند على "مبدأ المنفعة" (principle of utility): عمل أو فعل يعتبر صالح بشرط أن تكون له نتائج ترضي الشخص وتسعده. أن تجلب للشخص المزيد من الفوائد. كلما كانت الأشياء التي نقوم بها تأتي لنا بأرباح اكثر عندئذ سنكون أكثر سعداء. مقابل الربح والفائدة هناك الخسارة والضرر. الاستياء والعذاب والألم والفشل والخوف واليأس خسارة. الخسائر تجعلنا بائسين. الهدف من النفعية هو زيادة الأرباح أو الفوائد وخفض الخسائر أو الأضرار.

التفكير الأخلاقي القائم على النفعية هو ما يسمى ب "أخلاقيات النفعية" (utilitarian ethics). أخلاقيات تهتم بنتيجة الأمور وعواقبها وتجعل من هذه النتيجة والعاقبة معيارًا للحكم الأخلاقي. العمل الجيد والصحيح هو عمل يؤدي إلى نتيجة جيدة ومرضية تسعد الشخص. على العكس من ذلك فإن الفعل الغير صالح هو فعل له نتيجة سيئة وغير مرضية.

مؤلفو كتب تطوير الذات والتحفيز والنجاح وأولئك الذين يروجون لها هم في الغالب من مؤيدو النفعية و اخلاقيات النفعية: "افعل الأمور التي تجلب لك المصلحة ، قلل من الفشل ، تغلب على مخاوفك وهمومك ، فكر بإيجابية وكن متفائلًا بشأن المستقبل ، حقق احلامك".

تشجعك هذه الكتب على التركيز على الفوائد والأفراح والرضا لتقليل الإخفاقات والفشل. إنهم أيضًا يخلقون موقفًا من الحياة الجيدة والشخص الناجح من خلال اتباع مثال الأشخاص الذين يعتبرونهم ناجحين. تتمثل مهمة هذه الكتب في تقديم نموذج لشخص ناجح وحياة رائعة: "هل تريد أن تعرف ما هو شكل الشخص الناجح؟ هل تريد أن تعرف كيف تبدو الحياة الجيدة؟ لذا اقرأ هذا الكتاب فقط. سنخبرك لك "نقول لك كيف تعيش".

تشجعك هذه الكتب على التركيز على الفوائد والمنافع والأرباح والأمور المفرحة بهدف خفض نسبة الفشل والإخفاقات. أيضًا تشجعك أن تجعل من الاشخاص المشهورين والاشخاص الذين يعتبرون ناجحين (من وجهة نظر مؤلفي هذه الكتب) نموذجاً مثالياً لتقتدي بهم وتقلد حياتهم أو تتبع منهجهم وطريقة حياتهم. مهمة هذه الكتب هي تقديم نموذج من شخص ناجح أو حياة رائعة: "هل تريد أن تعرف سر نجاح الأشخاص الناجحين؟ هل تريد أن تعرف كيف تعيش حياة سعيدة؟ لذا اقرأ هذا الكتاب فقط. سنخبرك بالأسرار".

يوجد الكثير من هذه الكتب في محلات بيع الكتب واغلبهن يتم طبعهن اكثر من مرة وهذا يدل على أن الكثير من الناس يقرأون هذه الكتب. يبدو أن الجميع عالقون في هذا النمط الفكري. يريد الجميع التغلب على الأمور المعقدة التي افرزتها الحياة الحديثة من خلال اتباع الحلول التي تقدمها هذه الكتب. حلول في الأساس نفعية وتعزز اخلاقيات النفعية. الكل يبحثون عن مخارج لأزماتهم يعتقدون أنه يمكنهم العثور عليها في هذه الكتب. لكن هل بالفعل حصلنا على ما نريد؟ هل النمط الفكري الناتج عن النفعية جعلنا سعداء؟ هل من خلال أخلاقيات النفعية تمکنا أن نحصل علي حياة جيدة؟

من خلال ما نمارسه يومياً ومن خلال الاستجابة التي نتلقاها من أحكامنا وخياراتنا وأفعالنا يتبين لما إننا لسنا بخير لأننا ما زلنا نكافح آلامنا ومعاناتنا التي لم تلتئم. لم نتمكن حتى الآن أن نقول بثقة تامة أننا بشر ناجحون أو أننا سعداء. يبدو أن هناك مشكلة جذرية. مشكلة لا تستطيع أو لا تريد هذه الكتب أن تخبرنا عنها. مشكلتنا الرئيسية هي نظرتنا وفهمنا الخاطئ من مفهوم السعادة والأمر الأخلاقي. طالما أننا نتبع التفكير النفعي ، لا يمكننا أن نخلق تحولًا حقيقيًا في أنفسنا يغني روحنا ونظامنا الفكري. لذلك دعونا نعيد النظر في فهمنا لهذه المفاهيم.

أخلاقيات الفضيلة

هناك نظرية فكرية اخلاقية اخرى تشجع الإنسان على أن يعيش حياة كريمة وينال السعادة. هذا النظرية تسمى "أخلاق الفضيلة" (virtue ethics). وفقًا لهذا النظرية فإن السعادة ليست تجربة شعور لطيف ناتج عن نتيجة جيدة لفعل ما. السعادة لا تنال بالربح الأكثر والخسارة الأقل. تظهر أخلاقيات الفضيلة اقل اهتماماً لعواقب الأشياء ونتائجها ولا تستخدمها كمؤشرات ومعايير لاتخاذ القرارات وإصدار الأحكام.

يقوم الأساس الفكري للأخلاق الفضيلة على مبدأ واحد: الفعل "الصحيح". أخلاقيات الفضيلة تقول: افعل ما هو "صواب". اخلاقيات الفضيلة بدلاً من التركيز على عواقب الأمور ونتائج الأفعال، تركز على الأمور والأفعال نفسها. تشجعنا النفعية على الانتباه إلى هذا السؤال: "ما هي الأمور التي تؤدي إلى النتائج المرضية؟". بدلاً من ذلك ، تشجعنا الأخلاقيات القائمة على الفضيلة على التركيز على ثلاثة أسئلة أساسية: "من أنا؟ كيف يجب أن اكون؟ ما هو الفعل الصائب؟"

أخلاقيات الفضيلة لا تولي اهتمامًا كبيرًا بنتائج الأمور أو الأفعال والشعور الذي تمنحك إياه هذه الأمور والأفعال. لأنها ليست مؤشرًا جيدًا على الحياة الجيدة. بعض القرارات التي نتخذها في حياتنا اليومية تأتي لنا بنتائج (إما على مد القريب وإما على مدى البعيد) لا ترضينا ولا تحسسنا بالإرتياح. على سبيل المثال الصدق في القول والفعل لا يؤدي بالضرورة إلى نتائج مريحة ومفيدة من حيث الرؤية النفعية. ربما قد يتم توبيخك أو حتى فصلك من العمل بسبب صدقك وعدم إخفائك للحقيقة. هذا بينما كان بإمكانك بكل بساطة بكذبة واحدة تمنع هذه الخسارة. من وجهة نظر النفعية يجب أن نكذب لأن نتيجته تدفع عنا الأذى. من وجهة نظر الأخلاق الفضيلة نحن ملزمون أن نقوم بالفعل الصواب لأن القيام به هو الصحيح. بغض النظر عن تأثيره على المدى القصير أو الطويل وهل سيكون لصالحنا أم لا. بالنسبة للأخلاق الفضيلة عمل الصواب اهم من المنافع الشخصية.

يبدو اتباع النفعية بالنسبة لنا اكثر ارتياحاً واقل كلفتاً. يكفي أن نضع النتيجة المحتملة للأمر في الميزان كي يتبين لنا هل هو ربح أم خسارة. في الأخلاق الفضيلة إصدار الاحكام وإتخاذ القرارات ليسا بهذه البساطة. لسببين. اولاً ليس من السهل دائمًا التمييز بين الأمر الأخلاق والأمر الغير الأخلاقي. في بعض الحالات من الصعب أن نميز بينهما. ثانياً الحياة القائمة على الأخلاق الفضيلة تتطلب الصبر والمثابرة والإيمان والشجاعة والإنصاف واكثر من هذا تتطلب التضحية. تنمية هذه الصفات التي هي في حد ذاتها جزء من الفضائل الأخلاقية هو عمل شاق ومرهق. ربما لهذا السبب اتخذنا المسار الأول ، أي النفعية. تنمية الأخلاق الفضيلة واستيعابها يتطلب إيمانًا قويًا وإرادة قوية للخروج من المصلحة الذاتية. يتطلب أن نسلم انفسنا للحق وللخير المطلق.

في الأخلاق الفضيلة حصول الأخطاء امر طبيعي ولابد منه. الشخص الطيب والصالح ليس من دائماً يفعل العمل الصائب والصحيح. بل هو الذي دائماً يفكر ويتأمل في احواله وأفكاره وسلوكه ويضعهم في الميزان ليقارنهم بأخلاقيات الفضيلة. إنه شخص يحاول دائمًا بناء شخصيته من خلال تنمية الأفكار والعادات القائمة على الأخلاق الفضيلة.

لا يمكن تحويل وترجمة اخلاقيات الفضيلة إلى قواعد وأنظمة ومن ثم تبعيتها بنظام. عندما الفرد يقوم بتمية الفضائل الأخلاقية ويفكر ويتأمل في الأمور بعمق ، ينشأ في داخله وعي وبصيرة ويتمكن من إتخاذ القرارات الصائبة وصدور الأحكام الصحيحة.

طبيعة اخلاقيات الفضيلة تحتم علينا أن نكتشفها ونجربها وليس أن نكتبها بشكل قواعد وقوانين. بعبارة أخرى هي اصول ولكن حتى نفهمها وننميها في داخلنا، لا خيار لنا سوى أن نكتشفها ونجربها في امورنا اليومية. اتباع أخلاقيات الفضيلة تنمّي الحكمة في عقلية الفرد. من وجهة نظر النفعية ، السعادة هي تجربة الشعور الممتع الناتج عن الأمور التي تجلب لنا الفائدة أو تدفع عنا الضرر. من وجهة نظر أتباع الأخلاقيات الفضيلة ، السعادة هي العمل أو الفعل أو الطريق الصائب والصحيح الذي نسلكه. هذا الطريق نحن من نقوم بخلقه لما نلزم انفسنا بالتفكير والتأمل العميق في الأسئلة الثلاثة التي طرحناها: "من أنا؟ كيف يجب أن اكون؟ ما هو الفعل الصائب؟".

الأخلاقيات القائمة على الفضيلة تدعونا بدلاً من التركيز على المقصد ، أن نركز على المسار الذي يجب أن نتبعه. لما نسلك الطريق الصحيح سنكشف البعض من الحقائق. لكن هذه الاكتشافات تأتي مع التجارب التي نخوضها والأخطاء التي نرتكبها. لا توجد هناك خريطة جاهزة تبين لنا بوضوح الخطوات التي يجب اتخاذهن للوصول إلى المقصد. اصلاً لا يوجد مقصد محدد. المقصد هو نفس الطريق الذي نسلكه. بعبارة أخرى حتى ننال السعادة والحياة الطيبة ما علينا الا أن نسلك الطريق الصحيح. طريق ما لا نهاية له.

اخلاقيات الفضيلة ما هي الا اصول ومبادئ علينا بتنميتهن في داخلنا وأن نسعي بشكل مستمر ودون توقف أن نقيم الأمور وفقاً لهذه الأصول والمبادئ. في إتباعنا لأخلاقيات الفضيلة من الطبيعي والضروري أن نرتكب الأخطاء. خلافاً للنفعية التي تؤكد على النجاح وتذم الفشل و الخطأ، اخلاق الفضيلة تعتبر الخطأ والفشل امر عادي وطبيعي ويجب أن يحصل. لأن من دون أن نرتكب الأخطاء ونفشل في المهام والأمور لا يمكن أن نتعلم.

من المؤكد أن الشخص الذي يتمتع بحياة جيدة لا يمكن أن يكون شخصًا صنع نفسه من لا شيء. حين ولدنا في الواقع لقد أُلقي بنا جميعًا في هذه الحياة. لا يمكننا تغيير أي شيء بإنكار وتجاهل الظرف الزمني والمكاني الذي وجدنا أنفسنا فيه. التفكير الإيجابي أو التفاؤل الذي تروجه النفعية لا يمكن أن يجعل حياتنا سعيدة. فقط من خلال قبول وتنمية المبادئ القائمة على اخلاقيات الفضيلة يمكننا الوصول إلى رؤية صحيحة للعالم وفهم عميق لمعنى أنفسنا ومعنى الكون. النفعية لا تجعلك أن تفكر بعمق ولا تمنحك "العقل العملي" (practical intelligence). العقل العملي هو العقل الذي يكون نفسه بنفسه من خلال الكشف وايجاد الحلول.

الحياة الطيبة والسعيدة

اخلاقيات الفضيلة لا تسعى أن تعطيك اجابة قطعية لهذا السؤال: "كيف نعيش حياة طيبة وسعيدة؟". لأن من وجهة نظر الاخلاقيات الفضيلة لا توجد إجابة محددة وقطعية لهذا السؤال. حياة كل شخص فريدة من نوعها والبشر ليسوا آلات أو روبوتات يمكن برمجتهن مسبقًا. يمكننا بإتباع هذه الاخلاقيات أن نخلق لأنفسنا طريقة للتفكير. طريقة تأتي من أعماق طبيعتنا البشرية. طريقة تقوم على مجموعة من المبادئ. يجب أن نزرع هذه المبادئ في أنفسنا وننميها في داخلنا. حياتنا كلها ستكون احكام وخيارات تخرج من رحم هذه المبادئ. الأمر يشبه بتعلم أساسيات الموسيقى. أنت فقط تتعلم أساسيات الموسيقى. تتعلم كيفية التفاعل مع آلتك الموسيقية المفضلة واكتشاف واستيعاب الأصوات التي تنتجها. ثم من بعدها تستخدم مخيلتك لتكتشف وتبدع المقطوعات الموسيقية الممتعة.

الحياة الطيبة والسعيدة ليست الحياة التي يتم فهمها وتصميمها مسبقاً بل هي الحياة التي يتم اكتشافها وفهمها شيئاً فشيء. السعادة ليست بإحساس عابر نجربه تحت ظروف مشخصة. وكذلك لا يمكن أن نحصل على السعادة من خلال انشاء قائمة من القوانين والضوابط. ايضا لا يمكن أن ننال منها من خلال المزيد من الفرح والقليل من الألم. لا يمكن أن نتعامل مع الحياة كالرياضيات.

الحياة الطيبة والسعيدة هي الطريق الصحيح الذي يجب أن نسلكه. إنها الإيمان بمجموعة من المبادئ والفضائل الأخلاقية. الفضائل التي تمكننا من التمييز بين الصواب والخطأ. الحياة الجيدة والسعيدة يتم كشفها وبناءها كل يوم. لا يمكن أن نصنع نموذجاً من الحياة الطيبة والسعيدة ونبرمج ونخطط لنجعل حياتنا تكون كهذا النموذج.

الحياة الطيبة والسعيدة يعني قبول الأحزان والأفراح مع بعض ، قبول البكاء والضحك مع بعض ، قبول الآلام والمعاناة مع الراحة والنفاه مع بعض ، قبول الفقر والثراء مع بعض ، قبول العسر واليسر مع بعض ، قبول الفشل والنجاح مع بعض ، قبول الخوف والطمأنينة مع بعض. الحياة الطيبة والسعيدة تحصل من خلال الكشف والسير في طريق وعر وصعب والقبول بكل مخاطره وفرصه.

الحياة الطيبة والسعيدة ستحصل من خلال استخدامنا لوعينا الذاتي وضميرنا الحی وإرادتنا الحرة. لسنا لوحدنا في هذا الطريق الوعر والصعب. الف العديد من الفلاسفة والحكما كتباً تحوي على مفاهيم وأفکار عميقة تستحق التأمل والتفكر. مفاهيم إن تأملنا فيها يمكنها أن ترشدنا إلى كشف الطريق الصحيح. مؤلفوا كتب تطوير الذات والتحفيز والنجاح يحاولون أن يغرسوا في عقولنا أن الأفكار والحكم التي قدموها الحكماء والفلاسفة لا يمكن تطبيقها على ارض الواقع وإنها مجرد اقاويل متعبة ومملة لا فائدة منها. لكن هذا ليس صحيح على الإطلاق. ليس فقط يمكننا أن نتعلم من هذه الأفكار فحسب بل يجب علينا القيام بهذا الأمر. من الضروري أن نفكر في علاج حقيقي لآلامنا بدلاً من الحلول السطحية والمؤقتة.

کتاب "استخدم الفلسفة لتكون أكثر سعادة: 30 خطوة لإتقان فن الحياة"

کتاب "استخدم الفلسفة لتكون أكثر سعادة: 30 خطوة لإتقان فن الحياة" (Use Philosophy to be Happier: 30 Steps to Perfect the Art of Living) ألفه مارك وِرنون (Mark Vernon) سنة 2013 و ترجمه إلى الفارسية السيد "پژمان طهرانیان" و نشرته دار نشر "نشر نو" سنة 2016. مارك ورنون بطريقة سلسة وجذابة يبسط ويشرح لنا ثلاثون فضيلة اخلاقية ويضع كل ستة من هذه الفضائل في جزء. هذه الأجزاء هي كالتالي:

  1. الفضائل المعنوية
  2. الفضائل المأساوية
  3. الفضائل الإجتماعية
  4. الفضائل البراغماتية
  5. الفضائل الفردية

لكل فضيلة هناك مرشد. المرشد هو افكار احد العلما أو الفلاسفة. إذا عند انتهاء الكتاب ستتعرف على ثلاثون من الفلاسفة أو العلما. قراءة الكتاب ليس إلا بداية لمشوار طويل. مشوار ستسلكونه حتى آخر نفس من حياتكم.